الجمعة، فبراير 10، 2012

الكأس و الفنجان


أخذت مكاني المعتاد في مقهى الحي، أطالع صحف اليوم، أرتشف جرعات صغيرة متقطعة من فنجاني مصدرا صوتا بين الصفير و الشخير، و أنفث دخان سيجارتي و بين الحين و الآخر أشرب من كأس ماء ما أبلع به ريقي كلما قرأت خبرا من صحف الواقع المنعوتة بزرع اليأس في النفوس

تراءى في ذهني أن مشهدي هذا يصف حال الوطن، كأسا مملوء نصفه فيراه الموسرون المتفائلون زاخرا مليئا غدقا رزقا رغدا و يراه المعسرون المتشائمون اليائسون القانطون فارغا جافا نضبا جذبا قحطا، و فنجانا تقرأ فيه فئة المستقبل أملا و شموعا و أخرى يأسا و دموعا و مواطنون أشقياء يحترقون في صمت كلفافة التبغ هاته و قد كان الإحتراق يصيب النفوس فبلغ حتى الأبدان فصرنا نصبح و نمسي على أخبار أجساد مشتعلة بالغضب و السخط و البنزين

غزا اليأس القلوب و غدا الأمر كله كمسرحية ألفت فصولها و عرفت أطوارها،أحزاب تتنامى كالفطر، برامج انتخابية متشابهة متفائلة حد الضحك على الذقون تعد بالنعيم و الغد المشرق،برنامج حكومي بأهداف فضفاضة ، معارضة غير بناءة، ممثلو الشعب في البرلمان يتغيبون كتلاميذ كسالى، الوزراء السابقون يدافعون عن حصيلتهم الإيجابية بالأرقام و المعطيات و تستمر الحياة

لكن شريحة عريضة لا تجد لكل هذا أثرا عليهم فزوجاتهم لا زلن مضطرات لقطع مسافة طويلة للوصول لدار الولادة و أطفالهم للمدرسة، فقد المواطن الثقة في كل البرامج و المخططات الخضراء و الزرقاء و الخماسية و الإستعجالية و فقد الثقة في كل الأشخاص و الهيئات و كل شيئ

ا السؤال البديهي المطروح هل بلدنا يتقدم أم يتقهقر في درجات سلم التنمية،  جواب الفاعلين السياسيين و أصحاب القرار أن المغرب يسير بخطى حثيتة نحو الأمام،مشاريع ضخمة، أقطاب صناعية و فلاحية، السكن الإجتماعي و محاربة الهشاشة، مبادرة التنمية البشرية،محو الأمية و محاربة الهذر المدرسي،أوراش كبرى،معدل النمو المسجل....و هلم جرا
وجواب اليائسين البائسين الذين ملوا الإنتظار و لم تنفحهم ريح التغيير ولم يمسهم ولو القليل من هذه البرامج على كثرها أن البلاد لا تشهد تقدما يذكر و الأقرب للواقع أن بلدنا يعدو في مكانه على البساط المتحرك فالتحسن مشهود و كمي لكن الترتيب في سلم التنمية البشرية في تراجع، مجهودات الدولة جبارة و أهدافها مشروعة لكن بالإضافة التحديات التي تعيق التنمية كضعف التصنيع و التبعية الإقتصادية و إرتفاع المديونية فإن المشكل الأساسي يبقى هو ضعف المردودية أي عدم الإستفادة بشكل جيد من المجهودات المبدولة فحال البلد كمصباح تتبدد نصف طاقته عبر مفعول جول، و ينطبق علينا مثل اللي حرثو الجمل دكو

و من أسباب و مظاهر ضعف المردودية نذكر

السطحية، و هي الإهتمام بالنتائج الشكلية دون المضمون كحال التعليم فلبلوغ الأهداف المسطرة في محاربة الهدر المدرسي يتم التساهل مع التلاميذ بل وتغشيشهم في الإمتحانات و تتنافس في ذلك النيابات لتحصيل أحسن النتائج بتيسيير نجاح التلاميذ بدل تولي تقوية تعلماتهم

وكمثال آخر للسطحية سياسة الدولة في التشغيل إذ يتم خلق مناصب شغل في الوظيفة العمومية لإحتواء المعطلين من حملة الشهادات دونما إنسجام مع حاجيات الإدارات لهم، خصوصا في برامج التوظيف المباشر فتوزع الدولة الهشة على موظفيها رواتب أشبه بالصدقات و هو ما يرسخ فكرة ـ تخشى مع الدولة ـ

الإرتجالية، و الأمثلة هنا كثيرة كبرنامج المغادرة الطوعية بالتخلي عن أحسن الأطر و تمكينهم من تعويضات أثقلت كاهل الدولة ثم خلق مناصب جديدة للتشغيل لتغطية الخصاص.....إنه العبث وقد تكرر الأمر من المؤسسات العمومية إلى المكتب الشريف للفوسفاط الذي قالت دراسة مكتب الدراسات ماكينزي أن بإمكانه الإستغناء عن ثلتي عماله فبرمج المغادرة الطوعية ثم التشغيل المكثف

نذكر كذلك برنامج السكن الإجتماعي لمحدودي الدخل الموزع بشكل غير عقلاني بين الجهات و التي تخضع بالناسبة للمضاربة بأيدي الخانقين العقاريين المسمون تجاوزا بالمنعشين و نذكر في هذا الإطار أيضا التغيير المستمر لبرامج التعليم كل بضع سنين تبعا للنموذج الفرنسي المتجاوز

سوء التوزيع، أبرز مثال عليه صندوق المقاصة الذي يلتهم ميزانية ضخمة و يستفيذ منه أساسا الأغنياء فيدعم الصندوق المحروقات لكبار الإقطاعيين و حتى السكر لكوكاكولا و لاحت في الأفق مبادرات إصلاحية بتقديم مساعدات عينية للفقراء لكن نتمنى أن لا ترى النور فنحن نعلم كيف سيتم إستغلال الأمر وسيصبح الشعار شري شهادة الإحتياج و إستفد من الدعم

كمظهر آخر لسوء التوزيع ميزانية الجيس الكبيرة خصوصا أنه بات من المعروف أنها من أكثر الأموال عرضة للتلاعب فالمؤونة تباع في السوق السوداء بل و قيل إن مأذونيات البنزين يوزعها أبناء الجنرالات كبقشيش لنادل المقهى  و من مظاهر سوء التوزيع وعدم إحترام الأولويات مشروع القطار فائق السرعة أيضا...إلخ

و بالإضافة لمعالجة الإختلالات السابق ذكرها وجب تحديد الأولويات مجاليا و ترابيا بدعم ميزانية الصحة و التعليم و الإسكان عكس الدفاع و الجيش و كذا تصنيف التقسيمات الترابية للمملكة حسب مؤشرات التنمية البشرية و تحديد سقف دنوي يتم تحديده كل سنة و تحقيقه بكل ربوع الوطن
ومما لاشك فيه أن من الإصلاحات المستعجلة محاربة الإمتيازات و الكريمات و إقتصاد الريع

ومن الإجرا ء ات العاجلة أيضا ربط المسؤولية بالمحاسبة و هو مفهوم كثر تداوله هذه الأيام لكن وجب التوضيح أن المحاسبة يجب أن تكون قبلية وآن ية بتتبع صرف أموال الدولة و إتمام المشاريع المبرمجة و التحقق من أنها بلغت أهدافها و حققت مبتغاها لا أن ننتظر أن تقع الفاس في الراس لنحاكم لصوص المال العام فما جدوى سجنهم أو إعدامهم حتى

و يجب أيضا على جميع مكونات الدولة وإداراتها و ثمتيلياتها تقديم تقارير سنوية شفافة حول منجزاتها و على مرأى و مسمع من الرأي العام فعلى الأقل إن لم يكن للمواطن الحق في التدخل المباشر في التسيير فإن من حقه الإخبار و معرفة أين تصرف أموال الدولة حتى يطمئن قلبه و يثمن عمل المسؤولين و لا يبخس مجهوداتهم إن كانت كذلك، و هذا يخلق جوا من الرضا العام لا شك أنه يساعد في النماء، فمثلا في مملكة بروناي الصغيرة يقاس التقدم و الرخاء بسعادة السكان ااا

و ختاما يجب الإشارة إلى أهم عامل يجب الإعتماد عليه و هو العامل البشري، فاليابان حققت المستحيل بشعبها رغم قلة الموارد و لتنمية الوعي الإجتماعي و الإحساس بالمسؤولية لزم على كل فرد و مواطن أن يطلق من ذاته فيصلح أمره أولا قبل أن يؤطر أسرته أو محيطه الصغير فالقول بلا فعل من خصال المنافقين و العياد بالله

و أختتم مقالي بقصة طريفة، مفادها أن إمرأة قصدت المهاتما غاندي تشكو إبنها المدمن على الحلوى فقال لها أن تعود بعد شهر فلما مضى الشهر و عادت وضع يده على جبين الطفل قائلا ، لا تكثر من أكل الحلوى يا بني...إندهشت الأم و تسائلت ما مغزى أن تعود بعد شهر ولملا يسدي لها النصيحة ذاتها حينها فأجابها المهاتما غاندي إني أيضا أقبل على تناول الحلوى بشراهة و قد أقلعت عنها هذا الشهر قبل أن أنصح إبنك....فلن يمثتل لنصيحتي إلا إن عملت بها لنفسي أولا        
        إنتهى

بقلم يونس الجديدي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق